مطلع حياتي -وأنا طالب في مدارس "نفطة"- طلبت من صاحب مقهى قديم أن أستخدم المكان كقاعة محاضرات، وكانت مقهى مهدمة خراباً، هيأناها بإمكانياتنا البسيطة، وألقيت فيها محاضرة عن الشيخ محمد الخضر حسين نالت إعجاب أهل "نفطة".
كما أصدرت (جمعية شباب محمد الخضر حسين النفطي) نشرة اعتزازاً بابن نفطة.
ونجد أن طبيعة نفطة قد أثرت بالشيخ الخضر حتى آخر حياته؛ إذ كان يتمتع بصفات الإباء والشمم وعزة النفس، بالإضافة إلى سماحته وتواضعه، وأذكر -هنا- واقعة تنم عن هذه الصفات التي اكتسبها منذ طفولته: بعد اختيار الإمام شيخاً للأزهر زاره الرئيس محمد نجيب في مكتبه بالأزهر للتهنئة، وبعد مدة من هذه الزيارة، أتاه السيد حسين الشافعي عضو قيادة الثورة، وأخبره أن الرئيس محمد نجيب يطلبه لأمر ما، فغضب الإمام -وقلما يغضب إلا للحق-، وأخرج ورقة من درج مكتبه، وكتب عليها استقالته، وقال للشافعي:"قل لسيادة الرئيس: إن شيخ الأزهر لا ينتقل إلى الحاكم".
إن هذا الموقف هو تأثير تربيته في تونس.
وهناك خصلة أخرى تأثر بها من تونس، وخاصة من نفطة التي تنمي في المرء الكرم والإيثار وصلة الرحم، وغيرها من الفضائل، ففي أول حياته في القاهرة كان راتبه خمسة عشر جنيهاً شهرياً، كان يرسل خمسة جنيهات إلى ذوي القربى في دمشق، وخمسة جنيهات إلى ذوي القربى في تونس، وهذا الحال استمر معه إلى أن وصل إلى ما وصل إليه.
وفي جامع الزيتونة درس الشيخ محمد الخضر حسين منذ سنة (١٣٠٧ هـ -