للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلا بدَّ له من نقل ثابت صريح، ولا يكفي فيه مجرد شكواه إلى الله تعالى من عدم قبول القوم دعوته".

ثم قال: "لا، بل قد جاء في القرآن ما يدلّ على أكثر من ذلك، جاء فيه قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا} [يوسف: ١١٠]، فانظر كيف نسبت الآية إلى الرسل يأساً من النصر ونجاحِ الدعوة، وقد يفهم الجاهلون في ذلك مساساً بقدس الأنبياء، ولكنهم في ذلك جد مخطئين؛ فإن استبطاء الأنبياء للنصر حيناً، ويأسهم حيناً آخر، ليس من سر سوى شديد رغبتهم، وبالغ حرصهم على نجاح دعوتهم، وإيمانِ قومهم، لا جرم يستبطئون النصر، ولا جرم ييئسون".

قد يجتهد الرسول، فيحدد مدة يظن أن النصر لا يتأخر عنها، حتى إذا طال الزمن، وانقضت المدة المحدودة للنصر بحسب ظنه، ولم ير النصر، استشعر اليأس من أن ينصر في الدنيا، وظنَّ أن نفسه قد كذبته فيما كانت تحدثه به عن النصر، فإذا نصرُ الله يأتيه فجأة، فينجي الله من يشاء، ولا يُرد بأسُه عن القوم المجرمين، وإذا استشعر الرسول هذا اليأس، فلأنه ليس بواجب على الله - في نظر العقل - أن ينزل العذاب في الدنيا على من لم يؤمنوا برسله، كما أنه ليس من لوازم الرسالة أن يهتدي بها طوائف كثيرة من الناس، ففي الحديث الصحيح: "يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعه الرجل والرجلان، والنبي ومعه الرهط".

والرسول مع استشعاره لليأس يستمر على القيام بواجب الرسالة حتى يأتي أمر الله، فلا يصح الاستشهاد باستشعار الرسل لليأس من النصر، أو من إيمان قومهم في بعض الأحيان، على أن أيوب - عليه السلام - كان واهنَ