وأنا حريص أن أقف عند شخص في خاتمة هذه الكلمة، ولماذا هذا الوقوف؟ لأن هذا الشخص من الجيل الذي سبق الخضر حسين، وتوفي في السنة التي وُلد فيها الخضر حسين، وهو أحمد بن أبي ضياف، هذا الزيتوني المعمم في رحلته التي كتبها، ورافق فيها أحمد باي تفطن -أيضاً-، وهو طبعاً من الزمرة الأولى. خير الدين تفطن -أيضاً- إلى أن مشروعات التحديث، والتي تزعمها صديقه أحمد باي: أنه لا يمكن أن تصل إلى نتائج في ظل سلطة استبدادية، وهي سلطة البايات.
فخرج يوماً مع أحمد باي في شارع الشانزليزيه خارج البرنامج الرسمي، وقال له أحمد باي: ما أشوقَني إلى الدخول في تونس من باب عليوه، وأشتم رائحة داخله. فقلت له مداعباً: وأنا أتنفس في هواء الحرية، وأرد من مائها، وأقف على أرضها، قلت له: يحق لك ذلك؛ لأنك إذا دخلت من هذا الباب، تفعل ما تشاء، أما الآن، فأنت واحد من الناس، فقال له: سامحك الله، ولماذا لا تحملني على حب الوطن وأهله، فقلت له: إن هذا البلد يُنسي الوطن، وكما قال الشاعر:
ولا عيبَ فيهم غيرَ أن نزيلَهم ... يُعاب بنسيانِ الأحبةِ والأهلِ
إذن، أصبحت الحرية التي شاهدها الزيتوني المعمَّم تتجاوز الحدود الجغرافية.
اذكر هذا؛ لأنه يندرج ضمن التيار الذي واصله بعد ذلك الشيخ الخضر حسين.