قد أريناك أن معنى الجمع بعد التفرق في لفظ الهبة أظهر من معنى الهداية، ومتى كان هناك معنى يتبادر من اللفظ، ويتحقق به معنى الهداية، كان أحقَّ بأن تحمل عليه الآية، وعدّ الجمع بعد التفرق في سياق النعم يقتضي أن يكون الله قد جمعهم عليه وهم مهتدون بهديه، وأهل الرجل في حال تفرقهم عنه أهله، ولكن انقطاع الصلة بينه وبينهم يجعلهم بمنزلة العدم، فجمعُهم عليه بعد انقطاع الصلة كإيجادهم بعد أن لم يكونوا.
وكان قد قال في مقاله:"إذ كل ما يهتم له الأنبياء إنما هو أن يهدي الله لهم، لا أن يولد لهم".
قال هذا لينفي أن يكون جمعُ الأهل بعد التفرق مما يهتم له النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلا يستحق في زعمه أن يذكر في جملة النعم التي أنعم الله بها عليه: فقلنا في الرد عليه: يهتم الأنبياء لأن يهدي الله بهم، ولكنهم يقدرون نعماً أخرى، فلا يفوتهم أن تأخذ حظاً من اهتمامهم، فقد أثنى إبراهيم - عليه السلام - على الله بما وهبه من نعمة الشفاء، فقال:{وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ}[الشعراء: ٨٠]، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند موت ابنه:"إنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون"، وهذا يدل على أنهم يهتمون لأشياء غير هداية قومهم.
فقال في الردّ على هذا:"وإذا كان الكاتب معترفاً بأن أهم ما يهتم له الأنبياء أن يهدي الله بهم، فلنسجل عليه هذا، ثم نعرفه أنا نعتقد أن الأنبياء بشر، يألمون لما يألم له الناس، ويحزنون لما له يحزنون، لكن القرآن لا يحدثنا عنهم إلا بأهم ما يهتمون له".
ولعل كاتب المقال نسي أنه قال:"إذ كل ما يهتم له الأنبياء إنما هو أن يهدي الله لهم، لا أن يولد لهم"، فهو يحصر كل ما يهتم له الأنبياء في الهداية