للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان المعنى المتبادر من نسبة الهبة أو الإيتاء إلى الله: جمعهم عليه بعد تفرق؛ فإن إعطاء شيء لشخص إيصالُه إليه، والإيصال يتحقق في جمعهم عليه بعد التفرق، أما معنى هدايتهم بعد كفرهم، فأمر خارج عن معنى الإيتاء والهبة، فلا يحملان عليه إلا بدليل.

ثم إن حمل الهبة والإيتاء على معنى الهداية يستدعي أن يحمل قوله: {وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ} [ص: ٤٣]، على طائفة من غير أهله، والمماثلة ظاهرة في العدد، وإذا كانت الآية مسوقة مساق الامتنان، فإن الامتنان يظهر في كثرة من شملتهم هذه الهداية، وإذا قيل في معنى الآية: آمن به أهله، ومثلهم معهم، لم يكن المعنى ملائمًا للسياق؛ فإن إيمان أهل الرجل ومثلهم معهم لا يدل في العادة على كثرة المؤمنين به، ولا يظهر أن يكون المراد بيان عدد من آمنوا بأيوب؛ فإن عدد أهله غير معروف، حتى إذا قيل: وآمن مثلهم معهم، عرف مقدار من آمنوا به.

أما ما يقوله المفسرون، فإنه يوافق ما سيقت له الآية من الامتنان؛ فإن انقطاع الرجل عن أهله بلاءً، وجمع أهله عليه نعمة، كيفما كان عددهم، ومتى قيل: وآتيناه مثلهم معهم، كان وجه المنة أظهر، فالتأم معنى الآية مع السياق.

وقال صاحب المقال: "إن المعنى الذي فسرتُ به الآية أقربُ إلى المعنى الحقيقي مما فسر به المفسرون، إذ هداية الله للناس أكبرُ ما يهتم له الأنبياء، ففي الهداية يتحقق معنى الإعطاء، أما جمع الأهل فهو:

أولاً: هَيّنٌ على الأنبياء ما دام لم يكن جمعاً للهداية.

وثانياً: ليس فيه جديد يوهب، إن أهل الرجل هم أهله، إن تفرقوا عنه، أو اجتمعوا عليه".