فقلنا له: إن طائفة من المفسرين يقولون: إن المراد من هبة الأهل في هذه الآية، ومن إيتائهم في آية الأنبياء: جمعُهم عليه بعد تفرق، لا إيجادهم بعد عدم، ولا إحياؤهم بعد موت، وهذا المعنى أقرب إلى الفهم من معنى: هدينا له، وقلنا: إن الهبة: إعطاء الشيء من غير عوض، وهذا المعنى يتحقق في جانب الله بجمع أهل الرجل عليه بعد تفرقهم، فحمل الهبة على الجمع حمل للفظ على معنى قريب من الذهن، أما الهداية، فمعنى زائد على ما يفهم من لفظ الهبة، وإنما يصرف اللفظ عن المعنى المتبادر متى وجد المقتضى لهذا الصرف.
فقال صاحب المقال في رده:"أنا لا أدري لم كان المعنى الحقيقي للفظ الهبة إنما يتحقق في جانب الله بجمعه أهلَ الرجل بعد تفرقهم، ولا يتحقق بهداية أهل الرجل به بعد ضلالهم".
قال الله تعالى في سورة الأنبياء:{وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ}[الأنبياء: ٨٤]، وقال في سورة ص:{وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ}[ص: ٤٣]، وفي الآيتين أمران يصرفان الهبة والإيتاء عن معنى: أنه وجد له أهلًا بعد أن لم يكن له أهل:
أولهما: مجيء لفظ الأهل مضافاً إلى ضمير أيوب - عليه السلام -؛ فإنه ظاهر في أن الهبة تعلقت بهم، وهم أهل.
ثانيهما: قوله تعالى: {وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ}[ص: ٤٣]؛ فإنه إذا كان هؤلاء المثل من قبيل الأهل، لا ينتظم المعنى على أن تكون الهبة أو الإيتاء بمعنى: الخلق والإيجاد, إذ يصير المعنى: خلقنا له أهله، وأهلاً مثلهم، فلا يظهر له وجه من الفائدة مقبول، وإذا لم يصح حمل الهبة أو الإيتاء على الخلق والإيجاد،