وفيها منفعة طفيفة، وهي اطلاع الأجانب على شيء من أحكام القرآن وحكمته، فترجمته محرمة؛ تقديماً لدرء المفاسد على جلب المصالح؛ لأن الترجمة تؤدي إلى الإخلال ببلاغة القرآن ومعانيه.
ويتصل بهذه القاعدة أيضاً: قتل رسول الأعداء، فقد تكون فيه مصلحة للمسلمين؛ كأن يكون حسن التدبير لقومه، أو بالغاً في الشجاعة، وفي قتله مفاسد، وهي ترك إرسال المحاربين من يمهد لهم الصلح، أو يسعى في عقد اتفاق بتسليمهم، فحرم قتله؛ درءاً لهذه المفاسد.
ومن أمثلة هذه القاعدة: قول أبي جعفر المنصور للإمام مالك: سأحمل الناس على العمل بما في"الموطأ" من أحكام، فقال له الإمام مالك: إن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تفرقوا في البلاد، وأفتى كلٌّ بما رآه، فلا يجوز تكليف الناس العمل بما في "الموطأ"، فقول أبي جعفر المنصور يحمل الناس على الموطأ من باب مراعاة المصلحة، ومعارضة الإمام مالك في ذلك من باب تقديم درء المفاسد على جلب المصلحة، وهو تعطيل ما رواه الصحابة وأفتوا به مما ليس في "الموطأ".
ويقدّم درء المفاسد على جلب المصالح إذا كانت المفسدة أعظم من المصلحة، أو كانت مساوية للمصلحة، فإن كانت المفسدة أقل من المصلحة، وعظمت المصلحة إلى أن غطت على المفسدة، قدم جلب المصلحة على درء المفسدة؛ كالطائرات؛ فإنها لا تخلو من أخطار؛ كالسقوط في بعض الأحيان، وموت الراكبين فيها، ولكن المصالح التي تترتب على ركوبها عظيمة، فيقدم جلب المصالح هنا على درء المفاسد؛ لأن المصالح أعظم كثيراً من المفاسد.