ومن هذه القواعد المستنبطة من القرآن والحديث: الضرر يزال، والمشقة تجلب التيسير، واليقين لا يرفع بالشك، والعادة محكمة، والأعمال بمقاصدها، وارتكاب أخف الضررين، والضرورات تبيح المحظورات، والاستصحاب، والاستحسان الذي هو قياس خفي في مقابلة قياس جلي.
ثم إن شرّاح الأحاديث عندما يبحثون في متنها يتعرضون لما يفيده المتن من الإباحة، أو الندب، أو الوجوب، أو الكراهة، أو التحريم، ويتعرضون فيما يفيده الأمر من الإرشاد والإصلاح أو التشريع، ويذكرون أن فعله - عليه الصلاة والسلام - عادي، أو شرعي، وربما اختلف الفقهاء في ذلك حسب اختلاف الأدلة. وقد يتكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحكم مطلقاً؛ مراعاة للغالب، أو لقاعدة سبقت، فيقيده المجتهد بالقاعدة المقتضية لمراعاة المصلحة؛ كما قيد الإمام مالك حديث:"اليمين على من أنكر" بإثبات الخلطة بين المتداعيين؛ إذ الغالب أن من يدعي على أحد من الناس شأنه أن يتصل به اتصالاً يقرِّب دعواه.
وقد قرر علماء الأصول: أن تصرُّف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكون بالتبليغ، والفتوى، والقضاء، والإمامة، وكل منها شرعي، غير أن الشريعة وكلت للإمام أن يجتهد في تصريف الأمور التي كان يتصرف فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحسب المصلحة؛ كتقسيم الغنائم والإقطاع. وقد يختلف الفقهاء في الواقعة الواحدة هل تصرف فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - بصفة الإمامة أو تصرف فيها بصفته مشرّعاً عامّاً؟؛ كإحياء موات الأرض، وإعطاء سلب القتيل للقاتل.
ومن الأدلة على عنايتهم بمتن الحديث: بحثهم في أحاديث تخالف - بحسب الظاهر- الواقع، أو ما عهد في الشرع، فبعضهم يحملها على الوضع