ولا يكون الحديث الصحيح مخالفاً للقرآن إلا إذا كان مبطلاً لنص من نصوصه. فمن المحتمل القريب أن يوحى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بحكم زائد على ما في القرآن، أو أن يفهم من القرآن بطريق القواعد التي أسسها القرآن؛ كما قال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}[النحل: ٤٤].
وذكر أحد أساتذة هذا العصر: أن العلماء خدموا الحديث من جهة السند أجلّ خدمة، ثم قال:"وأما من جهة المتن، وتبيين ما هو زمني، وما هو تشريع عام، وتبيين ما هو ديني، وما هو سياسي، فهذا لم يلتفت إليه".
والواقع المشاهد الذي نعقد عليه الضمير: أن المحدّثين والمجتهدين قد خدموا متن الحديث، ودخلوا في غضونه، وكشفوا أسراره؛ كما فعلوا في السند.
فعلماء الحديث والفقه من عهد الصحابة فما بعد لم يقصِّروا في فهم المتن، وبذلوا كل عناية في فهمه، فنظروا في الجنايات، وجعلوا إقامة الحدود من حق الحاكم العام، والحدود ترفع الضرر في كل زمان ومكان، وما عداها يسمّى: تعزيراً، وزجراً، وفوضوا أمره للحاكم أيضاً، وتقديره بما يقتضيه الحال، واستنبطوا من القرآن والحديث قواعد عامة تصلح أن تطبق على كل جيل، وهذا الاستنباط متوقف على نظر دقيق في المتن على نحو ما في القياس.