أنه لا ضرر في تأخير عقده، فقلت لأحد شهود العقد: هذه شهادة غير صحيحة، فهي غير مطابقة للواقع، وقد يكون أحد المتعاقدين قد مات قبل التاريخ, أو غاب غيبة بعيدة، فيحصل الضرر لأحد المتعاقدين، أو كاتب العقد.
ومن حفظ الشارع للحقوق: أنه أجاز للإنسان أن يعتمد في شهادته على غالب الظن؛ كحصر الورثة: وعدم نفقة الزوج على زوجته.
ولو اشترط في ذلك العلم القاطع، لضاعت حقوق الورثة وحقوق الزوجة.
ومن حفظه للحقوق: إجازته لشهادة الاسترعاء، وتسمى: شهادة الاستحفاظ، وهي أن يخاف الإنسان ضياع حق؛ كأن يتسلط عليه ظالم قوي، ويريد أن يغتصب منه منزله، فيشهد العدول على أنه وهبه لفلان، ويشهد عدولاً آخرين سرّاً بأنه إنما فعل ذلك خوفاً من الظالم، وإذا زال الخوف من الغاصب، رجع إليه منزله.
وقد اختلف الفقهاء في شهادة الاستغفال، وتسمى: شهادة الاختفاء، وهي أن يكون الشهود في موضع لا يراهم به المطلوب منه الإقرار بالحق، فيعترف بالحق وهو لا يعلم أن الشهود يسجلون عليه هذا الإقرار. فأجازها بعض الفقهاء, حفظاً للحقوق، ومنعها بعضهم؛ لما فيه من التحيل والمخادعة.
وروي عن مالك: أن الحرص على تحمل الشهادة قادح في الشهادة. وإذا اختفى ليشهد، فهو حرص عليها.
وزرت بعض الأصحاب، وجلسنا مدة نتحدث، وفي انتهاء المجلس أخبرني صاحبنا بأنه فتح الآلة التي تملي عليه ما دار بالمجلس. ولعل هذه الآلة تقوم مقام شهادة الاحتفاظ إن كانت تحكي نطق المقر يعترف بالحق كما هو.