للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حكماً مطرداً، من غير نظر إلى من يقصد الربا ومن لا يقصده؛ لأن علة الحكم يكفي فيها أن تكون مظنونة، ولا يشترط فيها أن تكون محققة.

وذكر القائلون بسد الذرائع في معرض الأدلة: آية: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: ١٠٨]، وآية {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ} [النور: ٣١].

وحديث: "قاتل الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم، فباعوها، وأكلوا ثمنها"؛ فإن الشحوم حرمت عليهم تحريماً ذاتياً، فتوسلوا ببيعها إلى الانتفاع بثمنها كما ينتفعون بالشحوم، وبذلك توصلوا إلى إبطال تحريمها.

وذرائع الفساد التي في الآيتين والحديث مجمَع على سدها، ولكن المجتهد يعدها في جملة ما استقرأه من موارد الشريعة، فإن لا يقرر قاعدة إلا إذا استقرأ معناها من نصوص متعددة تدل بجملتها على أن قصد الشارع سد ذرائع الفساد، فإذا حصل له الجزم من تتبع النصوص الكثيرة بالمعنى الذي استقرأه فيها، صاغه حينئذٍ قاعدة، فإذا جرت واقعة فيها ذرائع فساد حكم بالمنع مستنداً إلى القاعدة، حيث لم يرد في الواقعة دليل خاص على سدها، والقاعدة تنزل من كلام الشارع منزلة اللفظ العام، فتطبق على الوقائع التي تدخل تحتها من غير توقف في حكمها على دليل خاص.

فإذا ذكر المجتهد الآية والحديث، فإنما يذكر بعض ما استند إليه في تقرير القاعدة.

وقد ساق ابن القيم أدلة كثيرة على سد الذرائع من الكتاب والسنّة وعمل السلف، وذكر في هذا الصدد مخالفة الإمام الشافعي للقول بسد الذرائع، فقال الحفيد بن رشد في "بداية المجتهد": وقال الشافعي: وحمل المسلمين