قال أبو إسحاق الشاطبي في كتاب "الموافقات": "وما ذكر من اختلاف الأحكام عند اختلاف العوائد ليس في التحقيق باختلاف من أصل الخطاب؛ لأن الشرع موضوع على أنه دائم أبدي، وإنما معنى الاختلاف: أن العوائد إذا اختلفت، رجعت كل عادة إلى أصل شرعي يحكم به عليها".
وقال القرافي في قواعده:"إن الأحكام تجري مع العرف والعادة، فينتقل الفقيه بانتقالها".
وقد ينص المجتهد المقتدى به على رواية واقعة راعى فيها العرف الذي هو جارٍ في وقته، ويكون العرف قد تغير، فيتبع فقيه آخر نصه الذي انبنى على عرف تغير، ولهذا قال القرافي:"واتباع نص الرواية - رواية المجتهد - في بعض النوازل من الجهل العظيم".
وضربوا مثلاً بالصداق إذا جرى العرف بدفعه قبل الدخول، وتنازع الزوجان، فالقول للزوج؛ لأن معه أصلاً شاهداً، وهو العرف، وإن لم يجر به عرف، فالقول للزوجة؛ لأن معها أصلًا، إذ الأصل عدم الدفع.
ومما يوردون مثالاً للعرف الذي يختلف باختلاف المواطن: تحديد ساعات العمل من اليوم للعمال؛ فإنه يراعى فيه العرف، وإن لم ينص عليه في عقد العمل.
ومن ذلك أيضاً: كشف الرأس لذي المروءة في المجالس العامة؛ فإنه مألوف عند أهل الأندلس، ولا يقدح في شهادتهم، ولكنه عند أهل المروءة في الشرق يقدح في شهادتهم، وإن كان في الأصل مباحاً.
وقد يجري العرف بعقد فاسد، فهل يكون وسيلة لحكم شرعي؟ فاختلف أصحاب مالك، بعضهم يرى أن العرف العام إذا جرى بعقد فاسد،