فيما يقوله، والعقل لا يستطيع أن ينفيه بالأدلة المنطقية.
ومرائي الأنبياء إلهام من الله بلا شك، ولهذا تثبت بها الأحكام الشرعية، كما قصَّ الله تعالى عن إبراهيم - عليه السلام -: أنه قال لابنه الذبيح: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}[الصافات: ١٠٢].
فقول الذبيح:{افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} دليل على أن إبراهيم أمر في المنام بذبح ابنه، وأراد تنفيذه، وهو من أشد ما شرع من الأحكام، وقوله:{فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} لا يقصد به تخييره، وإنما يقصد به ظهور عقله وثباته وحسن طاعته لله بقوله:{افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ}
والإِسلام، كان جعل الرؤيا الصالحة جزءاً من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، لم يجعلها مستنداً لأحكام الشريعة.
فغير الأنبياء لا يثبت برؤياهم حكم شرعي، فقد يخطئ في الضبط والتأويل.
وهذا أبو بكر الصديق، على صفاء سريرته، واستنارة بصيرته، قد أخطأ في التأويل، حتى قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أصبت بعضاً، وأخطأت بعضاً"(١).
(١) الحديث رواه البخاري، ونصه: أن ابن عباس - رضي الله عنه -كان يحدث: أن رجلاً أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: إني رأيت الليلة في المنام ظلة تنطف السمن والعسل، فأرى الناس يتكففون منها، فالمستكثر، والمقل، وإذا سبب واصل من الأرض إلى السماء، فأراك أخذت به فعلوت، ثم أخذ به رجل آخر، فعلا به، ثم أخذ به رجل آخر، فعلا به، ثم أخذ به رجل آخر، فانقطع، ثم وصل. فقال أبو بكر: يا رسول الله! بأبي أنت، والله لتدعني فأعبرها! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اعبر". قال: أما الظلة، فالإِسلام، وأما =