ممن اشتهر بالنخوة والبسالة في الحرب، والذي فهمناه من سنة الله أن ينصر أولياءه على أعدائهم بالطرق المعروفة في القتال، حتى يظهر للملأ أن أولياءه انتصروا بالشجاعة والاستخفاف بالموت في سبيل الدعوة إلى الحق، ومن المعروف أن تتغلب الفئة القليلة على الفئة الكثيرة إذا كانت الفئة القليلة أوفى شجاعة، وأقوى صبراً على الشدائد، والفئة القليلة تغلب الكثيرة على حسب ضعف الفئة الكثيرة، فقد يقتضي حال المئة من الفئة الكثيرة أن يغلبها أربعون أو ثلاثون من الفئة القليلة، كما قال الشاعر:
وإن ابن باديس لأكبر حازم ... ولكن لعمري ما لديه رجال
ثلاثة آلاف لنا غلبت له ... ثلاثين ألفاً إن ذا لمحال
ومن عرف قريشاً، وحرصهم على أن يكونوا هم الغالبين، فلا بد أن يبذلوا شجاعتهم وكل ما يملكون من صبر في قتال المسلمين، وغير معقول عادة أن يغلب المئة منهم الأربعون أو الخمسون من فئة أخرى تكون ظالمة مثلهم.
ولما كان المؤمنون يحاربون قريشاً الذين عرفوا بالنخوة والإقدام في الحروب، والحرص على أن يكونوا الغالبين لمن دعاهم إلى دين غير دينهم، فشأنهم أن لا تتغلب عليهم الفئة القليلة إلا أن يؤيدهم الله بروح من عنده، فأراهم في النوم جيش العدو قليلًا حتى ينشطوا للقائه، ولا تتفرق آراؤهم، فقال تعالى:{وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ}[الأنفال: ٤٣]،
وأراهم جيش العدو مثليهم عند اللقاء؛ ليحرصوا على قتاله، ولا يعودوا إلى الهزيمة بعد لقائه، ويبذلوا ما استطاعوا من الشجاعة في غلبه، وما هو إلا أن الله جعل أنظارهم تخطئ في تقدير جيش العدو، وجعل أنظار العدو تخطئ