وقال بعض علماء البلاغة في الأثر الوارد عن الصحابة - رضي الله عنهم -: كانوا لا يفترقون إلا عن ذواق: الذواق: ما يتناول من طعام. ويكنّى به عما يذكرون من حكمة على وجه النصيحة والموعظة.
والذوق فيما يتحدث فيه الناس في إيثار السمرة على البياض، أو البياض على السمرة، أو السمن على نحافة الجسم، وتفضيل العيون السود على العيون الزرق.
واختلاف الناس في إيثار أمر من هذا يرجع إلى اختلاف الذوق، وليس لأحد دليل عقلي يستطيع به تفضيل لون على آخر. واختلاف الناس في مأكلهم وملابسهم وتنظيم بيوتهم يرجع إلى اختلاف أذواقهم.
والذوق عند علماء البلاغة: هو قوة في الطبع يدرك بها الرفيع من الكلام والمنبوذ منه، ولا يرجع الحكم فيه إلى قواعد مقررة، بل إلى استحسان الطبع للكلام أو استهجانه، سواء كان في التئام حروف الكلمات، أو التئام بعض الكلمات مع بعض، أو وقوعها الموقع اللائق بها. ويتبع هذا أن يكون الاستحسان أو الاستهجان في التشابيه والمجازات والاستعارات والكنايات.
وقد ضرب صاحب "دلائل الإعجاز" أمثلة لذلك، فمما خفي استهجانها عند بعض الباحثين في البلاغة، وظهر لهم استحسانها، وليست في الواقع بمستحسنة: قول المتنبي:
عجباً له مسك العنان بأنمل ... ما حفظها الأشياء من عاداتها
والذوق السليم ينكر قوله: ما حفظها الأشياء؛ لأن الإضافة تدل على