للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المخالطة والإصابة بالمرض، جاء نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن دخول أرض وقع بها الطاعون، أو الخروج منها فراراً من القدر، مراعياً حال العامة، والغالب من الناس.

وأطلق عمر - رضي الله عنه - على عدم دخوله بالجيش أرضَ الطاعون: فراراً من قدر الله؛ إذ قال لأبي عبيدة: نفرّ من قدر الله إلى قدر الله، لشبهه بالفرار الشرعي، وليس هو فراراً شرعياً؛ لأن الذي فرّ منه أمر خاف على الجيش منه، فلم يهجم عليه، والذي فر إليه أمر لا يخاف على الجند منه.

والذي يخرج من الأرض الموبوءة فراراً من الوباء، فارٌّ من أمر هجم على أرضه، وخاف منه على نفسه، فيظهر فيه معنى عدم الاستسلام للقدر.

ويفهم من الحديث: أن الخروج من أرض الوباء منهي عنه إذا أراد الفرار من الطاعون، وأما إذا خرج لحاجة تخصه، فلا ينهى عن الخروج.

وفي سنة ١٣١٩ هـ زرت قفصة (مدينة بالجريد) (١)، وقضيت مدة في مطالعة تأليف "انتهاز الفرصة في محادثة عالم قفصة"، وهو تأليف لابن مرزوق، أورد فيه الأسئلة التي وجهها إليه الشيخ محمد بن يحيى عالم قفصة، وأجوبتها، فرأيت به ندم عمر بن الخطاب على رجوعه من الطاعون إلى المدينة.

والجواب عن ذلك: أن عمر بن الخطاب لم يندم على عدم الدخول بالجيش إلى الأرض التي بها الطاعون، وإنما ندم على سرعة رجوعه بالجيش إلى المدينة، وعدم انتظاره ارتفاع الطاعون، وقد ارتفع عقب رجوعه.

وأما الطيرة - بكسر الطاء وفتح الياء، وقد تسكن الياء -: فهي التطير؛


(١) مدينة بالقطر التونسي.