للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طوال يومه.

والبلغاء يكرهون افتتاح القصيدة بما يتطير به، فأنكروا على ابن مقاتل قوله في مطلع قصيدته في مدح الداعي إلى الحق:

موعد أحبابك بالفرقة غد

فقال له الممدوح: بل موعد أحبابك، ولك المثل السيئ!

وأنكروا عليه افتتاحه لقصيدة أخرى، إذ يقول:

لا تقل بشرى ولكن بشريانِ ... غرة الداعي ويوم المهرجان

فتطير منه الداعي، وقالوا: إنه عاقبه على ذلك، وقال: إصلاح أدبه أبلغ من إثابته عليها، وهذا من غطرسة الأمراء، فكان يكفيه ألا يثيبه على القصيدة.

وقد أصلحت هذا المطلع، ونفيت عنه تخيبه؛ حيث قلت في تهنئة بعض أصحابنا بزفافه في ليلة المولد الشريف:

قل بشريان: فغرة الميلاد ... وزفاف يمن حُفّ بالإسعاد

وأنكروا طالع قصيدة إسحاق بن ابراهيم الموصلي إذ يهنئ المعتصم ببناء قصر، ويقول:

يادار غيَّرك البِلى ومحاكِ ... يا ليت شعري ما الذي أبلاك؟!

فتطير المعتصم بهذا المطلع، وأمر بهدم القصر من فوره.

فالشريعة تنهى الإنسان أن يعتقد أن العدوى تسري من المريض إلى الصحيح بذاتها، وتنهاه أن يتطير بشيء من الحوادث، وتأمره أن يعلم أن ما وقع في الكون إنما هو بإذن الله وقدره، وينبغي للشاعر أن يتجنب في مطلع قصيدة ما يكرهه السامع، ويتطير منه.