وأما سبب باطنية هؤلاء، وإلحاد هؤلاء، فملاكه الجهل بحقائق الدين، وتقليد غير المسلمين في بعض عقائدهم، أو تقليد ما يرمون به الإسلام من الأوهام الناشئة عن سوء العقيدة.
كنت في بعض اجتماعات حافلة، فقال بعضهم: إن القرآن مشتمل على آيات منافية للقضايا العلمية القطعية، ووقفت أرد عليه، وقلت: إن القرآن كغيره من الكتب السماوية التي لم تحرف، لم يأت ليعلم الناس القضايا العلمية، فقد ترك ذلك للعقول؛ لأنها تدركها بصعوبة أو سهولة، ولكنه إذا أتى على قضية علمية، لا يأتي إلا بما يكون مطابقاً للواقع.
فقال المعترض: إن الغزالي يقول ذلك، ولم يسمّ الكتاب الذي نسب إليه قول الغزالي.
فقلت: يستحيل أن يقول الغزالي ذلك، فلو قاله، لكفّره العلماء جميعاً حيث نسب إلى الله قولاً غير مطابق للواقع.
وقد ظهر هذا الرأي في هذا العصر، وأخذه الملاحدة عندما بحثوا عن رأي يوافق إلحادهم، ويسترهم عند من يظن أنه موافق للإيمان.
وقد أخذ هذا الرأي أفراد مقلدين من صرّح به من أهل هذا العصر، ولعلهم لم يتنبهوا إلى أنه مخالف للإيمان الصحيح.
وكان بعض المعتزلة ينكرون المعجزات المخالفة لما وصل إليه العلم في وقتهم؛ كما أنكر بعضهم الإسراء بالجسد الذي صرح به القرآن في قوله:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى}[الإسراء: ١].
وقالوا: إن قطع الجسد للمسافة التي بين المسجد الحرام والمسجد