للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عبد الملك بن مروان حين لم يبايعه، وعرضت على ابن المسيّب وجوه تقيه الضرب بالسياط لو فعلها، ولكنه امتنع، ورأى راحة نفسه في التمسك بما يراه حقاً.

والإمام أبو حنيفة طُلب لولاية القضاء في بغداد والكوفة، فامتنع ورعاً وزهداً، فضُرب أسواطاً، ولم يقبل القضاء.

والإمام مالك أفتى بعدم لزوم يمين المكره، والمبايعة تتضمن يميناً، ولما أمره الأمير بالرجوع، أبى، فضربه أسواطاً، وازداد رفعة بين الناس.

ودخل سفيان الثوري على الخليفة المهدي، ووعظه بعظات بالغة، فقال المهدي: اكتبوا عهداً بولاية القضاء في الكوفة لسفيان الثوري، فكتبوه وأخذه، ولما خرج، رمى العهد في نهر الفرات، واختفى، ولم يروا له أثراً حتى تولى قضاء الكوفة شريك النخعي.

وعلماء الشريعة قد يتورعون عن ولاية القضاء؛ لأن القضاء معرفة الأحكام، وتطبيقها على الوقائع الخاصة، وقد يقع الخطأ في التطبيق، بخلاف الفتوى؛ فإنها الإخبار عن الأحكام الشرعية، وأما تطبيقها على الوقائع الخاصة، فيحتاج إلى فهم آخر، ومن أجل ذلك امتنع الشيخ إبراهيم الرياحي التونسي من ولاية القضاء، وفر إلى زغوان، وولي بعد ذلك الفتوى، فقبلها.

وانظر سيرة أحمد بن حنبل إذ امتنع من القول بخلق القرآن، فسجن، وضرب بالأسواط، وهو مصرّ على القول بأن القرآن قديم.

وكذلك البويطي صاحب الإمام الشافعي، حمُل من مصر إلى بغداد، وأُمر بأن يقول: القرآن مخلوق، فأبى، وسلك طريق أحمد بن حنبل، فضرب وسجن، ومات في السجن