وسجن عالم تلمسان الشيخ ابن مرزوق؛ لأن سلطان تلمسان خطب ابنة أمير تونس، فامتنعت البنت واختفت، فاتهم ابن مرزوق أنه عالم بالمكان الذي اختفت فيه.
وسجن ابن خلدون في عهد أبي عنان بفاس، وعلّل لسان الدين بن الخطيب ذلك السجن ببعده عن حسن التاني، واعتزازه بفهمه، وجودة إدراكه.
وسجن إبراهيم أبو علاّق، حيث خاطب أمير تونس، وكان وزيره خازن دار حاضراً، بقوله:
باشر بنفسك أمر الملك سيدنا ... فإن توكيل بعض الناس تمهيل
ففهم الوزير أنه المقصود بهذا البيت، وسجنه مدة طويلة، ثم أطلقه. والسجن محنة وبلاء للإنسان.
وروى لنا أستاذنا أبو حاجب: أن وزيراً قال للملك: لا أرى السجن تعذيباً لأحد؛ فإن الإنسان يجلس في مكان، ويأتيه أكله وشربه إلى أن يخرج من السجن، فقال الملك للسجّان: هيئ مكاناً لفلان، وأعطه ما يطلبه، وقال للوزير: هناك مكان في الحبس تقيم فيه، وانظر: أفي الحبس تعذيب أم لا؟ فقال: نعم، فجلس في الحبس بعض يوم، وصادف أن اجتمع برجل لا يفهم ما يقال له، فقال للسجّان: قل للأمير: قد عرفت في هذا اليوم مقدار عذاب السجن، فأمر بإطلاقه.
وعذاب الحبس من جهتين: من جهة أنه يصاحب الإنسان فيه من لا يلائم ثقافته وأخلاقه وذوقه، ومن جهة أنه يبعد الإنسان عن الحرية؛ حيث يمنعه من التقلب في الأماكن التي يريدها.
وأذكر بهذه المناسبة أني قلت حين دخلت إلى المحجر الصحي بلبنان،