الأمراء أمر المفتي بأن يفتي على وجه يخالف الشرع، فامتنع المفتي من الإفتاء، فهدده الأمير بوعيد شديد، فقال له المفتي: إن بلاد الإسلام عامرة بعلماء الشريعة، فيقولون: إن الأمير فلاناً ولّى في مصر مفتياً جاهلاً بشريعة الإسلام! ولما علم الأمير أن في تهديده ضرراً خاصاً يتعلق به، عدل عن الاستفتاء.
وقد يخرج العالم من البلد إذا عرف أن البلد سيقع في يد من لا يرعى للإسلام حرمة، ولا يؤمن به، كما خرج أبو عبد الله بن الأزرق من غرناطة إلى تلمسان؛ حيث استطال على غرناطة عدوّ لها، والعلامات تدل على أنه سيأخذها لا محالة.
وقد يضيق على العالم أمر العيش، فينتقل إلى بلد يكون العيش فيه أوسع، كما ذكر المؤرخون: أن القاضي عبد الوهاب بن نصر خرج من بغداد لضيق عيشه فيها، ونزل في مصر، فلقي من أهلها احتفاء، وتولى القضاء بها إلى أن توفي، ودفن بالقرافة.
وقد يتنكر أمير البلد للعالم، فيترك العالم البلد الذي تنكر أميره إلى بلد آخر لا تمتد إليه سطوته؛ كما وقع لابن خلدون حين تنكر له أمير تونس، فرحل إلى مصر، وعاش بها إلى أن توفي، ودفن بمقابر الصوفية، المسماة الآن: باب النصر.
وقد يصدر من ولي الأمر شيء مخالف للدين، ويتعذر على العالم كفّه، فيغادر العالم بلده إلى بلد آخر؛ كما وقع لعز الدين بن عبد السلام حين أعطى الأمير مدينة صفد للإفرنج، فغضب العز، وترك الدعاء له في خطبته، ورحل إلى مصر، وتولى القضاء بها، وارتفع شأنه، وبقي بها إلى