ومن ذلك: ما رواه المؤرخون في إكرام الخليفة عبد الرحمن الناصر لأبي علي القالي عند وفوده عليه بالأندلس، فقد أمر الخليفة ابنه الحاكم بالخروج إلى ظاهر قرطبة، ومعه وفد من خواصه؛ لتلقيه تكرمةً له، وكما أوفد ابن الأحمر سلطانُ غرناطة وفداً من حاشيته للقاء ابن خلدون حفاوة به.
ومن هذين الخبرين يظهر حرص الأمراء على إكرام العلماء قبل لقائهم لمجرد سماعهم بمنزلتهم في العلم.
وكان الأمراء إذا سافروا، صحبوا العلماء؛ ليتولوا تبيين الأحكام إذا سئل عنها الأمير.
ومن هؤلاء: هارون الرشيد؛ فقد صحب عبد الله بن المبارك في سفر، فلما نزلوا في بعض المنازل، التفث الناس حول ابن المبارك، وقالت جارية لهارون الرشيد: من هذا الذي أحاط الناس به؟ فقال لها: هذا عبد الله بن المبارك عالم خراسان. قالت: هذا واللهِ المُلْك، لا مُلكُ هارون الذي لا يساق الناس إليه إلا بالشُّرط والأعوان.
وروي أيضاً: أن أرخان سلطان تركيا عندما أزمع سفراً، زار شيخ العلماء، وطلب منه أن يرسل معه أحد الشيوخ الذين حوله؛ لأن الناس يسألون السلطان عن الأحكام، وهو لا يعرفها، فيجيبهم الشيخ.
وكان العلماء موضع ثقة الأمراء، وائتمانهم على الأسرار وعظائم الأمور، فكانوا يوفدونهم في السفارة إلى الملوك والأمراء؛ لعلمهم بأحوال الاجتماع، وما ينبغي لهذه المهام من حكمة وحسن تات للأمور، فأوفد ملك غرناطة ابن خلدون إلى ملك إسبانيا، وأوفد ابن الأحمر لسان الدين بن الخطيب إلى أمير مراكش، ويذكرون: أنه أنشد بين يدي الأمير قصيدة أعجبته، فاستجاب