للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لما أوفد فيه قبل أن يجلس ابن الخطيب، فقيل: لم يظفر أحد بجواب رسالته قبل جلوسه غير ابن الخطيب.

ومن الأمراء من كانوا يحتملون من العلماء شدة موعظتهم وغيرتهم على الدين، وغضبهم للحق: خطب منذر بن سعيد البلوطي عالم قرطبة خطبة الجمعة بحضرة الخليفة الناصر، فعاب من يسرف في البناء وتشييد القصور، وإنفاق أموال المسلمين في زخرفة البناء، حتى تلا قوله تعالى في قوم عاد:

{أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (١٢٨) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} [الشعراء: ١٢٨ - ١٢٩].

فغضب الناصر، واستاء من تعريض الخطيب به، وشكا ذلك لابنه الحكم، الذي أشار عليه بعزله، فقال الناصر: أمثل المنذر في علمه وتقواه نعزله طاعة لنفس أمارة بالسوء؟! وأبى ذلك.

ويروى: أن ابن بشير قاضي قرطبة تقدم إليه أحد الخصوم، واستشهد بالخليفة الناصر، فقال له القاضي: ائتني بشاهد عدل، وسمع بذلك الخليفة، فسال ابن بشير: لماذا لم تقبل شهادتي؟ فقال ابن بشير: لو طلب مني المدعى عليه الإذن له في تجريحك، لوجب أن آذن له!. فأضاف ابن بشير إلى نزاهته: حسنَ بصره بالسياسة والقضاء.

ويذكر الرواة للشيخ عز الدين بن عبد السلام موقفاً جليلاً في الشام حين أعطى الصالح إسماعيل الملقب بأبي الجيش مدينة صفد للصليبيين، فغضب الشيخ لذلك غضباً شديداً، وترك الدعاء له في خطبة الجمعة، فساء ذلك العمل الملكَ وأحفظه عليه، وخرج العزّ مهاجراً إلى مصر حيث تلقاه