الملك الصالح أيوب ملك مصر بالتكرمة والإعزاز، وولاه قضاء مصر، والخطابة في جامع عمرو.
ومن شواهد رعاية الأمراء للعلماء المعرضين عن مظاهر السلطان: ما كان ليحيى بن يحيى من المنزلة الرفيعة عند أمراء الأندلس، حين كان يمتنع عن ولاية القضاء، ويشير بشيوخ آخرين، فتقبل إشارته، وتنفذ مشورته.
وكان الخلفاء يتقبلون أحكام الشريعة من العلماء برضاً وإذعان، فقد حدّثوا: أن أبا يوسف كان جالساً مع الرشيد، فدخل عليهما يهودي يشتكي من الرشيد، فأعمل أبو يوسف سياسته في التسوية بين الخصمين، فنهض من مكانه بجانب الرشيد، وأمر اليهودي بأن يجلس فيه، وجلس هو أمامهما، وتبين عند نظر الدعوى أن الحق لليهودي، فقضى له، وأنفذ الرشيد حكمه عليه.
وكان الأمراء يولون العلماء القيادة العامة إذا أرسلوا جيشاً للحرب؛ تكريما لهم، فهم على ثقة من إخلاصهم، وحماستهم لحماية الدين، كما كان يحيى بن أكثم في بغداد، ومنذر بن سعيد البلوطي في قرطبة.
وكان الأستاذ أسد بن الفرات تلميذ مالك بن أنس القائد العام للجيش الذي فتح صقلية، وكان يتقدم الجيش مقاتلاً بنفسه حتى قتل شهيداً.
وبعض الأمراء يعجب بالعالم، فيريد أن يحمل الناس على أقواله، فيأبى العالم ذلك؛ إبقاء لحرية القول؛ كما روي عن هارون الرشيد حين التقى بالإمام مالك في المدينة، واطلع على كتاب "الموطا"، أراد أن يحمل الناس على العمل به، فأبى مالك، وأشار إلى أن أقوال المجتهدين في كل مكان حرة، لا يعطلها أولو القوة عن العمل بها ما دامت مستندة إلى اجتهاد بنص شرعي،