للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتمضمض النبي - صلى الله عليه وسلم - بالماء بعد أن شرب اللبن، وقال "إن له دسماً"، ويؤخذ من الحديث: أن من تناول ما له دسمٌ يتمضمض بعده.

ولما كانت رائحة فم الصائم تتغير بالصيام، فيتقزز منها صاحبها، أو من تصل إليه الرائحة، قال - عليه الصلاة والسلام - كما في الصحيح مادحاً لها من جهة أنها أثر عبادة، فقال: "لخلوفُ فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك". وكون الخلوف أطيبَ عند الله من ريح المسك كناية عن قبوله للصيام، ورضاه به.

فالإسلام اعتنى بالنظافة، وأعطاها من العناية ما تستحق.

قال صاحب "نفح الطيب": وأهل الأندلس أشد خلق الله اعتناء بنظافة ما يلبسون، وما يفرشون، وغير ذلك مما يتعلق بهم، وفيهم من لا يكون عنده إلا ما يقوته يومه، فيطويه صائماً، ويبتاع صابوناً يغسل به ثيابه، ولا يظهر فيها ساعة في حالة تنبو العين عنها.

وأذكر بهذه المناسبة: أن الشاعر الصفاقسي المسمى: الغراب ترك عباءة له عند أحد أصحابه بتونس ليغسلها، ويرسلها له، فتأخر إرسالها، فأرسل له خطاباً يقول فيه: إذا فقد الماء من بلدكم والصابون، وهاد إليكم من بلدنا الجمالون، جاءك الماء مع الذين هادوا والصابون. واقتبس قوله: الذين هادوا والصابون من الآية:

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى} [الماندة: ٦٩].

ومن عناية الإسلام بالنظافة: وجود الحمامات في بلاد الإسلام كلها؛ كقرطبة، وقد قيل: إن فيها سبع مائة، أو تسع مائة حمام.

وإن ما قلت هو الحمامات العامة، وهو ما يسميه صاحب "نفح الطيب"