للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أفراد اتخذهم العرب رؤساء فيه (١)، وهو أنهم إذا فرغوا من الحج، اجتمعوا إلى هذا الرئيس، فحرم الأشهر الحرم: رجباً، وذا القعدة، وذا الحجة، والمحرم، فإذا احتاجوا إلى شن الغارة وطلب الثارات، أخر شهر المحرم إلى صفر، وإن احتاجوا إلى ذلك في صفر، أخروه، وحرموا ربيعاً الأول، وهذا ما نزل فيه قوله تعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} [التوبة: ٣٧]؛ لأنه تحريم ما أحل الله، {يُحِلُّونَهُ} [التوبة: ٣٧]؛ أي: الشهر المؤخر {عَامًا} [التوبة: ٣٧]، ويحرمون مكانه شهراً آخر، {وَيُحَرِّمُونَهُ} [التوبة: ٣٧]؛ أي: يحافظون على حرمته {عَامًا لِيُوَاطِئُوا} [التوبة: ٣٧]: ليوافقوا [عدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّه} [التوبة: ٣٧] من الأشهر الأربعة (٢).

وقد قال بعض الإفرنج: إن النسيء الذي كان عند العرب في الجاهلية مأخوذ من اليهود، فإن الناسئ في اللغة العبرية معناه: الرئيس الديني، وكذلك كان الرئيس الديني عند اليهود يؤخر ويقدم الشهور، ويعين مواعيد الأعياد والصيام، ويبعث بذلك إلى طوائف اليهود المختلفة.

ونحن نستبعد أن يكون النسيء مأخوذاً عن اليهود ما دام لفظه مشتقاً من مادة عربية له تصرفات تدور حول معنى التأخير (٣).


(١) آخرهم عوف بن أمية.
(٢) ويقع النسيء على وجه آخر، هو أنهم يؤخرون الحج عن وقته تحرياً منهم للسنة الشمسية، فكانوا يؤخرونه في كل عام أحد عشر يوماً أو أكئر قليلاً، حتى يمر ثلاث وثلاثون سنة، فيعود الحج إلى وقته، وهذا معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض". فكانت حجة الوداع في السنة التي عاد فيها الحج إلى وقته.
(٣) يقال: نسأه ونسأه إلى آخره. وبعته بنسيئته؛ أي: بآخرة، واستنسأه: سأله أن =