مكاناً يقال له:"حمراء الأسد"، فألقى الله الرعب في قلوب المشركين، فانصرفوا إلى ديارهم، وانقلب رسول الله والذين معه إلى المدينة وقد أمنوا ما كانوا يحذرون.
يُعلِّم محمد - صلى الله عليه وسلم - بسيرته المجاهدَ في سبيل الحق أن يثبت في وجه أشياع الباطل ولا يَهن في دفاعهم وتقويم عوجهم، ولا يهوله أن تقبل عليهم الأيام، فيشتد بأسهم، ويجلبوا بخيلهم ورجالهم، فقد يكون للباطل جولة، ولأشياعه صولة، أما العاقبة، فإنما هي للذين صبروا والذين هم مصلحون.
يتجلى صبر محمد - صلى الله عليه وسلم - وقوة عزمه ساعة يعتدي عليه السفهاء من خصوم هدايته، فإنه كان - صلى الله عليه وسلم - يقابل أذاهم بالتجلد، والمضي في الدعوة كيف يشاء، ولشدَّما لقي من الأذى، فلم يحجم به يوماً عن أن يصدع بما أمره الله، ولم يحجم به يوماً عن أن يضرب بالدعوة في وجوه أولئك الجبابرة، وهذه السيرة تعلِّم الناهضين بالأمم إلى مراقي الفلاح كيف يؤثرون الحق على أنفسهم ومن في الأرض جميعاً.
ولا أدل على عظمة الرجل من أن يستبين سبيل الرشد، فيسلكها في سكينة وقرارة جأش، ثم لا يبالي عبث المستهزئين، وما يعترضه من أذى المبطلين.
يتجلى صبر محمد - صلى الله عليه وسلم - وقوة عزمه في إقدامه على همم لا تدرك إلا بمعاناة مصاعب واقتحام أخطار.
له همم لا منتهى لكبارها ... وهممته الصغرى أجلُّ من الدهر
بلغه - صلى الله عليه وسلم - أن الروم ومن يظاهرهم من قبائل العرب المتنصرة أخذوا يتأهبون للزحف عليه بالمدينة، فنادى بالنفير العام، وانبعث في سفر بعيد