وهم أصحاب جرأة واغتيال، ولم يكن - عليه الصلاة والسلام - ممن يجعل بينه وبين الناس حجاباً، ولا يهتم بأن يتخذ منهم حراساً، وكان يضع نفسه عندما يحمى وطيس الحرب بالمكانة الأولى، ومع ما لأعدائه من التلهف على قتله، والتهالك على الفتك به، ومع ماله من الانفراد عن أصحابه في كل حين من الأحيان، وظهوره لأعدائه كلما رغبوا في الاجتماع به، وتقدمه لمواقع الجهاد ليس بينه وبينهم حامية، لم يأته أجله إلا وهو على فراشه، وذلك مصداق قوله تعالى:{وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}[المائدة: ٦٧].
وقد وقع ما أخبر به القرآن، فعاد الروم بعد غلبهم إلى محاربة الفرس، وظهروا عليهم في السنة السابعة من الهجرة، ويروي أن خبر هذه الواقعة كان السبب في إسلام أناس من الجاحدين غير قليل.
ومن تلك الوجوه: قوة أدلته؛ فقد عرفنا أن محمداً - صلوات الله عليه - قد نبت في وادي جاهلية، ونشأ في أمية، ونجد مع هذا حجج القرآن العقلية القائمة نافذة، كقوله في الاستدلال على وجود الخالق:{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ}[الطور: ٣٥].
فإن المعنى: أوجدوا من غير موجد، أم هم الذين أوجدوا أنفسهم؟!. وكلا القضيتين غير صحيح، فوجب أن يكونوا صنع قادر حكيم.
وكقوله في الاستدلال على وحدته:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}[الأنبياء: ٢٢].