للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبديع سيره، فضلاً عما أفاضه من العلم، وقرره من الشرع، دون تعلم سبق، ولا ممارسة تقدمت، ولا مطالعة للكتب منه، لم يمترِ في رجحان عقله وثقوب فهمه لأول بديهته".

فظهور هذا العقل الكبير في أمي لا يقرأ ولا يكتب، من أظهر الدلائل على أن هذا الأمي صادق في دعوى أنه رسول رب العالمين، فنحن إذا خطبنا في كمال عقل المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، إنما نصف آية تبعث في قلب الجاحد إيماناً، وتزيد قلب المؤمن اطمئناناً.

ولعلك تذكر قوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: ١٥٩]، فيختلج في صدرك أن أمره باستشارة أصحابه يقتضي أن آراءهم قد تكون أصوب من رأيه.

والجواب: أنه كان - صلى الله عليه وسلم - يستشير أصحابه في أمر الحروب ونحوها؛ ليقيم قاعدة الشورى بين الناس، وبالشورى تسعد الأمة، ويرتفع شأن الدولة. قال الحسن - رضي الله عنه -: "قد علم الله أنه ما به إليهم من حاجة، ولكن أراد أن يستنَّ به من بعده".

وفي استشارته - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه تطييب لنفوسهم، وزيادة تأليف لقلوبهم؛ إذ كان العرب من أشد الناس كراهة للاستبداد، ونفوراً من الرئيس الذي لا يجعل لهم في تصريف الأمور العامة نصيباً من الرأي.

وفي استشارته - صلى الله عليه وسلم - أصحابه إشعار لهم بعلو مكانتهم عنده؛ إذ يدلهم على أنه يراهم مطلع الآراء السديدة، ومواطن الإخلاص، والإخلاصُ رأس كل فضيلة، وأي منزلة أرفع من منزلة قوم يعرض عليهم - صلى الله عليه وسلم - الأمر يستطلع آراءهم فيه، وهو الغني عنهم بما يأتيه من وحي السماء، وبما رزقه الله تعالى