وقد نطق القرآن المجيد بوقائع أشار إلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جرى فيها على خلاف ما هو الأصلح والأولى.
منها: أخذه الفداء عن أسرى بدر، وذلك ما عاتبه الله عليه، فقال:{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}[الأنفال: ٦٧].
والمفهوم من الآية: أن النبي الذي بُعث ليطهر الأرض من أرجاس الشرك والفسوق، فقام في وجهه أعداء ألداء، يبسطون إليه وإلى أنصاره أيديهم بالأذى، ويصدون الناس عما جاء به من الهدى، ويذهبون في الكيد له إلى أبعد مدى، ينبغي له أن يأخذ في معاملة هؤلاء الأعداء المحاربين بالشدة حتى يكسر شوكتهم، وتعظم مهابته في قلوبهم، والمالُ- وإن كان من وسائل القوة والغلبة - ليست له في جانب المصلحة التي أشارت إليها الآية الكريمة من قيمة.
ومنها: إذنهُ لبعض المنافقين حين استأذنوه في التخلف عن غزوة تبوك، وذلك ما عاتبه الله تعالى في قوله:{عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ}[التوبة: ٤٣]
والواقع أن خروج هؤلاء المنافقين للقتال ليس فيه مصلحة للدين، بل أشار القرآن إلى ما في خروجهم إلى الغزو من ضرر، فقال تعالى:{لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ}[التوبة: ٤٧]
فلم يعاتب الله نبيه - عليه الصلاة والسلام - من جهة أنه أذن في التخلف لقوم شأنهم أن يبلوا في الجهاد بلاء حسناً، بل العتاب من جهة أنه أذن لهم