هذا النحو من تأويل آيات المعجزات، وخف على آخرين أن يتكلموا في الدين بآراء لا تمت إلى أصوله الصحيحة بصلة، فأنكروا الأحاديث المتضمنة لبعض خوارق من عادات جرت على يد النبي - صلى الله عليه وسلم - دون أن ينقدوها بقوانين علم الحديث، أو قوانين المنطق السليم.
ولمنكري المعجزات وخوارق العادات شبهتان:
إحداهما: أن الله تعالى وضع هذا الكون على سنن لا تتبدل، وربط أسبابه بمسبباته ربطاً لا يتغير، وربما استشهدوا على هذا بقوله تعالى:{وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا}[الأحزاب: ٦٢].
ويرد هذا: بأن الذي خلق الأسباب والمسببات، وعقد بينهما رابطة السببية والمسببية، هو الفعال لما يريد - سبحانه وتعالى - فله أن ينزع من بعض الأسباب وجه سببيتها؛ كأن ينزع من النار حرارتها التي كانت سبباً في الإحراق، وله أن يخلق سبباً آخر يخفى عن أعين الناس، ويظهر له مثل أثر السبب المعروف في العادة؛ كأن يخلق في العصا ما يكون سبباً لانقلابها ثعباناً، كما خلق في ماء الرجل ما يكون سبباً لتحول ذلك الماء حيواناً.
وإذا لم ير الفيلسوف سبباً تخلف عن سببه، أو لم ير سبباً لم يترتب عليه مسببه، فعدم رؤيته لذلك لا يدل على عدم إمكانه، فتخلف المسببات عن أسبابها الظاهرة، أو وجود المسببات مع فقدان أسبابها، هو في مرتبة الإمكان لا محالة، وإذا كان ممكناً في نفسه، وورد الخبر الصادق بوقوعه، أصبح الاعتقاد به ضربة لازب، ولم يكن لمنكره من الأدلة النظرية ولي ولا نصير.
وأما قوله تعالى:{وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا}، فحق لا غبار عليه،