وسنن الله منها ما عرفه الناس، ومنها ما لم يعرفوه، وإذا وقعت واقعة غريبة عند تحدي النبي لقومه، فهي جارية على سنة، ولكنها سنة خفية لا يعلمها البشر، ولا يستطيعون أن يأتوا بمثلها، ومن هنا كانت هذه الواقعة الغريبة علامة على أن هذا الداعي مبلغ عن الله.
وأخرى الشبهتين: أن العلوم في هذا العهد قد كشفت عن أسرار أمور كانت تُظن من خوارق العادات، فلو بلغ العلم بصاحبه أن يأتي بأشياء هي من أمثال ما كان يعد خارقًا للعادة، لم يبق ذلك الذي صدر على وجه التحدي معجزة.
وتدفع هذه الشبهة: بأن من معجزات الرسل - عليهم السلام - ما لم يصل إليه العلم، ولن يصل؛ كإحياء الموتى وإبراء الأكمه، ونبع الماء الحقيقي من بين أصابم الإنسان، وإذا وجد من المعجزات التي جرت على أيدي الرسل ما يمكن الوصول إلى مثله من طريق الفن؛ كما يدعى من الإخبار عن بعض الأشياء الغائبة، وكما ظهر من قطع المسافة البعيدة في وقت قريب، فإن أمثال هذه الأشياء نجدها قد صدرت عن الرسول مضمومة إلى معجزة أخرى لا يصل إليها العلم. ثم إن الفرق بين ما وقع عند التحدي، وما وقع من طريق الفن: أن الأول وقع بإذن الله من غير أن يكون للرسول فيه عمل، أما الثاني، فإنما يقع بعد اتخاذ الوسائل الفنية.
هذا هو الفرق بين ما كان معجزة، وما كان أثر حركة فنية، فما يذكره الله تعالى في كتابه الحكيم من هذا النوع من المعجزات إنما هو أمر واقع بإذنه تعالى من غير أن يكون للرسول فيه أثر؛ كما قال تعالى:{وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ}[سبأ: ١٢].