فلا جناح على من ينفي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العظمة قاصداً معنى التجبر والأبهة، أما من ينفي عنه العظمة -يقصد الجلال، ويقصد بلوغه في الكمال الأمد الأقصى-، فقد تنكَّب عن الحقيقة جانباً.
ولنأخذ - بعد هذا - في عرض القطع الموعودة على أسماعكم، وانظروا ماذا ترون.
قال صاحب المقال:"اليوم يذكر الناس مولد محمد - صلى الله عليه وسلم -، ولا يذكر الناس محمداً إلا اتجهوا في البحث عن عظمته، ودرجته بين العظماء".
يريد صاحب المقال من الناس "الذين يذكرون محمداً - صلى الله عليه وسلم -، فيبحثون عن عظمته" القوم المسلمين، فإنه وصل هذه الفقرة بالحديث عن إيمان الناس بالعظمة، وافتتانهم بها، وعبادتهم لها في صور من العبادات، يرمز بهذا إلى حال المسلمين في إيمانهم بعظمته - صلوات الله عليه -، ونظرهم إلى مقامه الكريم بعين التوقير والإجلال. والناس الذين يذكرون محمداً -صلوات الله عليه -، فيتجهون إلى البحث عن عظمته صنفان: مؤمنون برسالته، وغير مؤمنين.
فأما الذين أشربوا في قلبهم الإيمان بأنه رسول الله حقاً، فإنهم يرفعون مقامه الأسمى عن أن يعقدوا بينه وبين العظماء -في نظر كاتب المقال- مقارنة ومقايسة، والميزان الذي يحمل في إحدى كفتيه النبوة والرسالة، تبقى كفته الأخرى طائشة إلا أن تحمل فيه سيرة نبي أو رسول.
وإنما ينظر المؤمنون في سيرة محمد - صلوات الله عليه -؛ ليزدادوا إيماناً فوق إيمانهم، أو ليكون لهم فيها أسوة حسنة، أو ليلقوا الارتياح الذي تلقاه النفوس الزكية تجتلي شيئاً من مظاهر الكمال والعظمة.