يخطر على باله أن ينافس الملوك في عظمتها الأرضية، ولكن بعثه الله بالدين القيم، والشريعة الوسطى، وجعله القائم على هذه الشريعة لعهد نزول الوحي، وبعد أن تناسق عقدها، وتكاملت نجوم هدايتها، التحق - عليه السلام - بالرفيق الأعلى، وقد أورث القوم المسلمين شريعة قيمة، وسياسة رشيدة، فكانت دولتهم ذات عظمة تتضاءل أمامها كل عظمة.
أراد الله تعالى أن تكون حياة رسوله الأكرم بمقدار ما تدرك الهداية غايتها، وتملك الأمة قوة تحمي الدعوة من خصومها، واتفق أن جمعت الهداية أمرها، وبلغت القوة الكافية نصابها، يوم أصبحت راية الإِسلام تخفق على ربوع تلك (الجزيرة العربية) يوم نزل قوله تعالى: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}[المائدة: ٣].
وإذا خطر على بال أحد أن يضع بين محمد - صلوات الله عليه -، وبين بعض الملوك مقايسة، فإنه يذهب إليها من طريق العدل والمساواة، وينظر فيها من ناحية إخلاص الرعية، وما تحمله لولي أمرها من حسن الطاعة، مع رعاية بيئة الأمة وطبائعها، وتقدير السبيل الذي سلكها والي الأمر حتى أصبحت مقاليد أمة من الناس في قبضته.
فليبحث كاتب المقال هل يجد في تاريخ العالم رجلاً قام في أمة كهذه الأمة العربية في صعوبة مراسها، واختلاف قبائلها، وكثرة زعمائها، قام وليس بيده سلاح يفوق سلاحها، ولا جند أعرف بفن الحرب من رجالها، ولا مال أوفر مما في أيدي زعمائها. فجاهدها، وأخذها من جميع أطرافها في بضع سنين، ثم سار بها في خطة عدل ومساواة تشبه خطة سيدنا محمد الذي يقول: