للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خاصة، فقد التقى من قريب بمن حاول أن يقصر مهمة الرسول السماوية على البلاإ دون التنفيذ، وقال: "إن عمله السماوي لا يتجاوز حدود البلاع المجرد من كل معاني السلطان" (١).

ومن الحق أن تكون هذه الوظائف الثلاث موصولة بالاتجاهين على معنى: أن الوحي اتجه إليها اتجاه تشريع، والنبي - صلى الله عليه وسلم - اتجه إليها اتجاه الفاهم لنصوص الوحي ومقاصده، والمنفذ لها بحق.

قال كاتب المقال: "وقد صدرت عنه - صلى الله عليه وسلم - في جو هذه الحياة الجديدة أقوال وأفعال وتصرفات مختلفة، عني بها المسلمون عناية فائقة هي مضرب الأمثال في عناية الأمم بتاريخ عظمائها، وتتبع آثارهم، دوَّنوها، وشرحوها، وضبطوا ألفاظها، وألَّفوا المعاجم في شرح غريبها، واهتموا بتفهم أسرارها، وتبين أغراضها، حتى كان من آثار ذلك: أن نشأت علوم خاصة تعرف "بعلوم السنَّة"؛ من رواية ودراية، وتجريح وتعديل، وناسخ ومنسوخ، وغير ذلك".

يقول الكاتب: إن المسلمين عنوا بما صدر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في جو تلك الحياة الجديدة، والمعروف أن المسلمين عنوا بما صدر عنه في حياته قبل الهجرة وبعدها، وكتب السنّة عامرة بأقوال وأفعال صدرت منه - عليه الصلاة والسلام - بمكة قبل الهجرة، وهذه الأقوال والأفعال داخلة فيما دوَّنوه، وشرحوه، وضبطوا ألفاظه، واهتموا بتفهم أسراره، وتبين أغراضه، ولا يغيب عن أحد تتبعَ السيرة في مواردها الصحيحة: أن كثيراً من أقواله - عليه الصلاة والسلام -، وأفعاله بمكة كان لها أثر كبير في بناء عظمته، وتثبيت رسالته،


(١) كتاب "الإِسلام وأصول الحكم" لعلي عبد الرازق. وللإمام كتاب الرد عليه "نقض كتاب الإِسلام وأصول الحكم".