للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتأسيس شريعته، فالواقع أن علوم السنة ناشئة عن تدوين ما صدر في حياته بمكة والمدينة.

قال كاتب المقال: "يهم الناظر في التشريع الإِسلامي أن يعرف هل كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل ما يروى عنه من هذه الأقوال وتلك الأفعال والتصرفات مصدرًا عن الوحي، ناطقًا بلسانه، أو كان له - إلى جانب الوحي - فيها تفكير ونظر واجتهاد؟ ذلك ما نريد معالجته في هذا البحث".

قد عالج علماء الإِسلام هذه الناحية من السيرة، وأسهبوا فيها القول حتى بلغوا الغاية، ورأيناهم قد قسموا أقواله وأفعاله إلى ما كان صادراً عنه من حيث إنه رسول يوحى إليه، وما كان صادراً عنه من ناحية أنه بشر يفكر ويجتهد، وسنتناول هذه المسألة فيما بعد بتفصيل حتى تستبين وجهة نظر العلماء فيها، ويتضح الفرق بين معالجتهم لها، ومعالجة كاتب المقال.

قال كاتب المقال: "يرى بعض العلماء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مبلِّغ عن الله فقط، تنحصر مهمته في تبليغ الوحي، وما يتصل به من بيان على الوجه الذي ضمنه الله بقوله: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: ١٨، ١٩].

ويرون أن صفة الرسالة فيه غلبت على صفة البشرية، وأنه -عليه الصلاة والسلام - تمحض في استعداده لحمل الرسالة وتبليغ الأمانة، معتمدين في ذلك على ما فهموا من قوله تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: ٤]، بعد قوله: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: ٣] ".

لا ندري مَن هؤلاء العلماء الذين يرون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مبلّغ عن الله فقط، وأنه تمحض في استعداده لحمل الرسالة وتبليغ الأمانة؛ فإن علماء الإِسلام مجمعون على أن من أقواله وأفعاله ما لم يصدر عن وحي، وسنقيم على هذا