للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شواهد من بعد.

وهذا الذي نسبه كاتب المقال إلى بعض العلماء، قد نسبه الدكتور زكي مبارك إلى المسلمين، فقال في مقال نشر في مجلة "الرسالة" (١): "إن المسلمين يجعلونه رسولاً في جميع الأحوال، فهو لا يتقدم ولا يتأخر إلا بوحي من الله، ولا يأخذ ولا يدع إلا بإشارة من جبريل، ومعنى ذلك: أن شخصية محمد في جميع نواحيها شخصية نبوية لا إنسانية".

قال كاتب المقال: "رأوا هذا، ورتبوا عليه أن كل ما أثر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شريعة من الله رب العالمين، لها صفة الدوام والبقاء إلى يوم الدين، والناس مخاطبون بها في كل زمان ومكان، لا يجوز لهم أن يحيدوا عنها، قيد شعرة، ومن حاد عنها أو سوغ لنفسه أن يتصرف فيها، فذلك خارج على شريعة الله، مخالف عن أمر الله، غير جدير بأن يكون من المؤمنين".

من المحتمل أن توجد طائفة من العلماء يقولون: إن كل ما أثر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شريعة من الله رب العالمين، وليس من المحتمل أن توجد طائفة من العلماء يجعلون كل ما أثر عنه - عليه الصلاة والسلام - من قبيل ما لا يجوز للناس أن يحيدوا عنه قيد شعرة، ويحكمون على من حاد عنه بأنه خارج عن شريعة الله، غير جدير بأن يكون من المؤمنين.

أفلا يعلم هؤلاء العلماء أن في الشريعة واجبات ومندوبات ومباحات، وأن المندوبات والمباحات لا يصح أن يقال فيمن تركها: إنه خارج على شريعة الله، غير جدير بأن يكون من المؤمنين؟!


(١) جزء المحرم سنة ١٣٥٨.