قال كاتب المقال:"يقولون ذلك، ويتشدودن فيه، ولا يفرقون بين أقواله وأفعاله، وأحكامه وأقضيته وسائر تصرفاته في العبادات والمدنيات، والجنايات والطب والسياسة والحروب والعادات، والزي واللباس، وآداب الطعام والشراب، والجلوس والسير في الطريق، وما يكون من الأحوال الشخصية والمسائل الجنسية، وغير ذلك، فكل هذا وحي من الله، بعضه ظاهر، وبعضه باطن، وكله شرع محكم، ودين متبع، لا يجوز الخروج عليه، والتصرف فيه".
من ذا يعقل أن طائفة من العلماء يقولون: إن جميع أقواله - صلى الله عليه وسلم - وحي من الله، وشريعة محكمة، وهم يجدون أمامهم - متى كانوا من العلماء - أحاديث يخبر فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أشياء شاهدها بعينه، أو سمعها بأذنه، أو أحسها بوجدانه؛ كالحب والبغض، والسرور والحزن، والعطش والجوع، وأحاديث يوجهها الأشخاص في صيغة استفهام، وأحاديث يقول فيها: أظن كذا، إلى غير ذلك مما لا يقول عالم أو غير عالم: إنه لا يصدر إلا عن وحي.
وأما أفعاله - عليه الصلاة والسلام -، فإنا نجد علماء الأصول يفرقون بين ما كان جبلَّة، أو عادة، وبين ما كان فيه معنى القربة، ويقولون: ما كان جبلَّة، فهو غير داخل فيما يطالب الناس بالاقتداء به، ومنهم من يذكر هذا، ولا يحكي فيه خلافاً؛ كما فعل إمام الحرمين في "البرهان" إذ قال: "والأفعال الجبلية؛ كالسكون والحركة، والقيام والقعود، وما ضاهاها من تغاير أطوار الناس، فإذا ظهر ذلك، فلا استمساك بهذا الفن من فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -"، قال هذا، ولم يحك فيه خلافاً، مع عنايته بذكر ما يقع في مسائل الأصول من اختلاف،