للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنهم من يذكر هذا النوع من أفعاله، وينفي أن يكون فيه نزل؛ كما فعل الآمدي، والأسنوي، ومنهم من ينفي أن يكون فيه خلاف؛ كما فعل عبد العزيز البخاري شارح "أصول البزدوي"، ومنهم من يحكي الاتفاق عليه كما فعل صاحب "مسلم الثبوت".

وحكى بعض الأصوليين أن فيما ظهر فيه أمر العادة قولاً بأنه مندوب إليه، وهو قول شاذ، ولشذوذه أهمله كثير من الأصوليين، فلم يذكروه في كتبهم، وروي عن ابن عمر: أنه كان يحاكي النبي - صلى الله عليه وسلم - في مثل هذا النوع من العاديات، كما كان يتحرى مواطن وقوفه ومشيه، ويتحرى منازله وطرق سيره في الحج، ولهذه المحاكاة وجه آخر غير الندب، وهو التبرك بالتشبه بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، ولو فيما يفعله على أنه عادة.

والراسخون في علم الشريعة يفرقون في أفعاله - عليه الصلاة والسلام - بين ما كان من قبيل الشرعيات، وما كان من قبل الجبلَّةِ أو العادات، ويبنون على هذه التفرقة: المطالبة بالاقتداء، وعدم المطالبة به، وقد تختلف أنظارهم في بعض أفعاله - صلى الله عليه وسلم -، فيراها بعضهم من قبيل الشرعيات، فتكون موضع القدوة، ويراها آخرون من الجبلَّات أو العادات، فلا تدخل في قبيل ما يقتدى به، وكثيراً ما يجري هذا الاختلاف في أفعال تقترن بعبادات؛ كضجعته - صلى الله عليه وسلم - بعد صلاة الفجر، وركوبه في الوقوف بعرفه، وجلسة الاستراحة بين السجدة والقيام لركعة ثانية أو رابعة. وقد تختلف أنظارهم في فعل من أفعاله لا يتصل بعبادة؛ كإرساله - عليه الصلاة والسلام - شعر رأسه إلى أذنيه، إذ ذهب طائفة إلى أن هذا الفعل من السنَّة، وذهب آخرون إلى أنه من قبيل العادة، وهو الراجح فيما نرى.