وسائر تصرفاته وحي، ونسب إليها أنها تقول:"كل هذا وحي من الله، بعضه ظاهر، وبعضه باطن". وتقسيم الوحي إلى ظاهر وباطن اصطلاح معروف عند بعض الأصوليين الذين يقولون: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجتهد، ويفسرون الوحي الظاهر بما ينزل به المَلَك بلفظه، أو ما يقذفه المَلَك في القلب، وهو المشار إليه بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن روح القدس نفث في روعي"، أو ما يبدو للقلب بإلهام من الله تعالى؛ ويفسرون الوحي الباطن بما ينال باتجهاد الرأي بالتأمل في الأحكام المنصوصة؛ وإنما جعل اجتهاد النبي - صلى الله عليه وسلم - وحيًا باطنًا؛ لأن إقراره عليه يدل على أن الأحكام الصادرة عنه حق لا مرية فيه؛ كالأحكام الثابتة بطريق من طريق الوحي المشار إليها آنفاً، ومن هؤلاء من يجعل الوحي الباطن: الإلهام والاجتهاد.
فتقسيم الوحي إلى ظاهر وباطن صادر ممن يقولون باجتهاد النبي - صلى الله عليه وسلم -، والكاتب ينسبه إلى الطائفة التي تقول: إن كل أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - وحي من الله. قال كاتب المقال:"وقد تجد قوماً منهم يستثنون من ذلك بعض الأشياء التي لا تتصل بالنواحي التشريعية؛ كرأيه - صلى الله عليه وسلم - في تأبير النخل، أو في اختيار مكان ينزلون فيه للحرب، أو نحو ذلك، ولكنهم حين يتحدثون عن هذا الاستثناء يحتاطون في الأمر تمام الاحتياط، فيضيقون دائرته، ولا يتسعون فيه".
الذين يقولون: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يتكلم إلا عن وحي يجعلون موضوع كلامهم الأحكام الشرعية، ولا ينكرون أن يتكلم - عليه الصلاة والسلام - بما يراه من أمور الدنيا أو أمور الحرب؛ كما نرى هذا في مؤلفات ابن حزم، فهم يستثنون الأشياء التي لا تتصل بالنواحي التشريعية، وقد اختار الكاتب