إنما يقع في أذهان قد يفوتها فهمُ النصوص حق فهمها، أو يفوتها أن تضع كل دليل موضعه، أو تهتدي إلى معرفة الناسخ من المنسوخ، وذلك ما يصان عنه اجتهاد مَن جعله الله مهبط وحيه، ومطلع شريعته.
ويفارق اجتهاده اجتهاد غيره من المجتهدين والحكام: أن اجتهاد غيره محتمل للخطأ، فلمجتهد آخر أن يعيد النظر فيه، ويعمل على ما أداه إليه اجتهاده، أما اجتهاده - عليه الصلاة والسلام -, فهو بمنزلة الوحي يجب الوقوف عنده، والإيمان بأنه حكم مَن لا معقب لحكمه.
وهذا ما لا يختلف فيه المسلمون، وإذا قال الفقهاء: لا تجوز مخالفة اجتهاد الإمام الأعظم أو نائبه، وهم يعنون الإمام أو نائبه البالغَ رتبة الاجتهاد بحق، فإنهم لم يقولوه على معنى أن اجتهاده عين الصواب، وإنما قالوه لمعنى آخر، هو انتظام أمر السياسة، وإبقاء الأمن في قرار، ولو ظهر لأهل العلم أن في اجتهاده خطأ، لكان لهم أن يحاوروه، ويرشدوه إلى ما هو الصواب؛ لعله يأخذ به في إصلاح ما صدر منه، أو يأخذ به فيما يفصل فيه من بعد، فلا نجوز مخالفة اجتهاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حال؛ لأن اجتهاده عين الحق، ولا نجوز مخالفة اجتهاد الإمام الأعظم؛ حفظاً لنظام السياسة، واتقاء للفتنة.
قال الإمام الغزالي في "المستصفى": "قام الدليل من الإجماع على تحريم مخالفة اجتهاده - عليه الصلاة والسلام -؛ كما دلّ على تحريم مخالفة الأمة كافة، وكما دلّ على تحريم مخالفة اجتهاد الإمام الأعظم والحاكم".
قال كاتب المقال:"اجتهد في الحروب، وفي الأمور الدنيوية، واجتهد في الأحكام الشرعية".
الاجتهاد لغة: استنفاد الجهد في طلب الشيء المرغوب إدراكه، حيث