للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يرجى وجوده فيه، أو حيث يوقن بوجوده فيه (١).

وتجري كلمة الاجتهاد على ألسنة الأصوليين، ويقولون: هذا اجتهاد في أمر الحرب، وهذا اجتهاد في أمر دنيوي، وهذا اجتهاد في حكم شرعي.

أما الاجتهاد في الحروب، فيراد منه: النظر في نحو منازل الجيوش، أو الطريق التي يسار منها إلى العدو، أو القبيلة التي يبتدأ بقتالها، إلى نحو هذا من التصرفات التي يدرك خيرها وشرها المتدربون على قيادة الجيوش.

وأما الاجتهاد في الأمور الدنيوية، فيتعلق بأفعال أذن فيها الشارع على وجه الإباحة، وفوض أمرها إلى الإنسان؛ ليأخذ فيها بما ترجح عنده من صلاحها أو فسادها, كفنون الزراعة والصناعة والتجارة، إلى نحو هذا من الأمور التي تعرف مصالحها ومفاسدها بالمشاهدات والتجارب.

وأما الاجتهاد في الأحكام الشرعية، فهو بذل الوسع في تحصيل حكم حادثة تعرض؛ من نحو: الوجوب، أو الحرمة، أو الإباحة، أو الصحة، أو البطلان، والرجوع في تحصيل أحد هذه الأحكام إلى أصول الشريعة، وتحري مقاصدها في الإصلاح.

وقد يطلق الاجتهاد على إعمال النظر في تعرف ما ينطبق عليه الحكم الشرير، وهذا ما يسميه الأصوليون: "تحقيق المناط"، ومثاله: أن الشارع قضى بأن على المدعى البينة، وعلى المدعى عليه اليمين، وقد تطرح بين يدي القاضي قضية يشتبه فيها الأمر، فلا يدري لأول ما تطرح: من المدعى، ومن المدعى عليه؛ إذ قد يكون المطلوب هو المدعى، والطالب هو المدعى


(١) "الأحكام" لابن حزم.