عليه، فيُعمل القاضي فكره في حالهما حتى يدرك أن هذا مدَّعٍ، وهذا مدعى عليه، وإن شئت إيضاح هذا، فالبالغ سنَّ الرشد يرفع شكوى إلى القاضي بأن الوصي لم يدفع إليه ماله، فالوصي هنا هو الذي يدعي أنه دفع المال، فيطالَب بالبينة، والبالغ سن الرشد مدعى عليه بأنه تسلَّم ماله، فهو المطالَب باليمين.
واجتهاده - عليه الصلاة والسلام - في أمور الحرب، وأمور الدنيا- با لمعنى الذي بيناه، وسقنا له الأمثال - ليس موضع النزاع بين أهل العلم.
وأما اجتهاده في الأحكام الشرعية، فذلك موضع اختلاف الأنظار، وهو الذي يشتد فيه النضال، وتقوم فيه الأدلة وتقعد، ومنشأ هذا الخلاف: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقل عند تقرير حكم شرعي: هذا قلته عن وحي، وهذا قلته عن اجتهاد. وكذلك الصحابة - رضي الله عنهم - عندما يروون أحاديث الأحكام لا يقولون: هذا صدر عن وحي، وهذا صدر عن اجتهاد، وإنما وردت آيات فيها عتاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - عن بعض تصرفاته، وأحاديث فيها أحكام يقرنها - عليه الصلاة والسلام - بضروب من الأقيسة، وأحاديث قد يتبادر إلى بعض الأذهان أنه انتقل فيها من حكم إلى آخر دون أن يكون بين الحكمين مهلة، وأحاديث قال فيها:"إنما قلته عن ظن"، وأذن للناس في عدم العمل بها من بعد.
فمن ألقى نظره على ناحية من ظواهر هذه الآيات والأحاديث، قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد يجتهد في الأحكام الشرعية، ومن رأى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في غنى عن الاجتهاد بما يلقيه الله عليه من الوحي قال: إنه لا يجتهد، وأخذ يفسر تلك الآيات والأحاديث على وجوه تخرجها عن أن تكون اجتهاداً في أحكام دينية.