وقد صب كاتب المقال همته في الحديث عن اجتهاد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأشار إلى جملة من الأحاديث والآيات التي يتشبث بها من يذهبون إلى أنه كان يجتهد، ونحن ننقل عبارات الكاتب، وننظر في وجوه الاستدلال بما استدل به، ونقرر ما ينبذه المنطق مما يتقبله.
ابتدأ كاتب المقال بثلاثة أحاديث اشتملت على أحكام مقرونة بضرب من التمثيل، فقال:
(فأفتى المرأة التي سألته عن حجِّها لأبيها بقوله:"أرأيتِ لو كان على أبيك دَين، فقضيته، أما كان يقبل منك؟ "، وأفتى السائل عن قُبلة الصائم بقوله:"أرأيت لو تمضمضت بماء، ثم مججته، أكان يضرك؟ "، وأفتى السائل عمن لامسَ امرأته أيكتب له أجر وهو يقضي شهوته؟ فقال:"أرأيت لو وضعها في حرام، أيكتب عليه وزر؟ ").
الذي يأتي بهذ ٥ الأحاديث مستشهدا يها على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجتهد، يريد: أنه أجاب السائل، وذكر مع الحكم القياس الذي هو أحد الأدلة الشرعية، وهذا شأن المجتهد.
ومن يقولون: إن الأحكام الشرعية لا تصدر إلا عن وحي، يذهبون في فهم هذه الأحاديث إلى أن ما ورد فيها من التمثيل إنما أتى به النبي - صلى الله عليه وسلم - لتقريب الحكم وتثبيته في النفوس، وتقريب الحكم وتثبيته بهذا الطريق معروف في نصوص الشريعة؛ كلما جاء في قوله تعالى:{وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ}[الحجرات: ١٢]، وكما جاء في قوله - صلى الله عليه وسلم - حين سئل عن رؤية الله يوم القيامة:"هل تضامون في رؤية الشمس صحواً في الظهيرة ليس دونها سحاب؟)، قالوا: لا، فقال: "هل تضامون