للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في رؤية القمر ليلة البدر صحواً ليس دونه سحاب؟ قالوا: لا، قال: "فإنكم ترونه كذلك" (١). وسألته - عليه الصلاة والسلام - امرأة، فقالت: إن لي ضرة، فهل عليَّ جُناح إن تشبَّعْت من زوجي غيرَ الذي يعطيني؟ فقال: "المتشبع بما لم يُعط كلابس ثوبي زور".

فمن كمال الدعوة وحسن أسلوبها أن تقرَّب فيها الأحكام من النفوس، ويزاح فيها ما يحوم بالقلوب من الشبه، وتمثيلُ المعقول بالمحسوس، والمجهول بالمعلوم كثيراً ما يسلك لهذا الغرض النبيل، وأنظروا إلى قوله - صلى الله عليه وسلم - حين سئل: كيف يحشر الكافر على وجهه؟: "أليس الذي أمشاه في الدنيا على رجليه، قادراً على أن يمشيه في الآخرة على وجهه؟ ".

ثم أشار كاتب المقال إلى أربعة أحاديث مستشهداً بها على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نزل فيها على اجتهاد غيره، فقال: "ونزل على اجتهاد غيره، فاستثنى الإذخر (٢) في تحريم شجر مكة حين استثناه العباس، ودعا للمقصرين كما دعا للمحلقين، وأذن في غسل القدور التي طبخت فيها لحوم الحمر الأهلية بعد أن أمر بكسرها، ونزل المنزل الذي أشار عليه أصحابه بأن ينزل فيه".

نزولُ النبي - صلى الله عليه وسلم - على اجتهاد غيره: أن يجتهد في حكم واقعة، ويقرر حكمها، ثم يجتهد غيره فيها، فيرى - عليه الصلاة والسلام - أن اجتهاده خطأ، وأن اجتهاد غيره هو المصيب، ونحن نحدثك عن هذه الأحاديث التي أومأ إليها الكاتب، ونخرج منها على أن ليس في شيء منها ما ينبئ أنه نزل على


(١) البخاري ومسلم.
(٢) الإذخر - بكسر همزة الألف -: الحشيش الأخضر، وحشيش طيب الرائحة - "القاموس".