للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اجتهاد غيره في تقرير حكم شرعي.

أما حديث "إلا الإذخر"، فهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في شأن البلد الحرام -أعني: مكة-: "لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها، ولا يختلى خلاه"، فقال العباس: إلا الإدخر, فإنه لقَيْنهم وبيوتهم، قال: "إلا الإذخر".

وليس من المعقول أن يكون العباس قد فهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اجتهد، فرأى تحريم شجر البلد الأمين على سبيل العموم الشامل للإذخر، وقرر حكماً على خلاف ما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال مفصحًا عن اجتهاده: "إلا الإذخر"، ويكون النبي - صلوات الله عليه - قد ظهر له بعدُ أن اجتهاد العباس هو الصواب، فنزل عليه.

والموافق لحال الصحابة، وإجلالهم لمقام الرسالة: أن يكون العباس قاصدًا بقوله: "إلا الإذخر" تذكيرَ النبي - صلى الله عليه وسلم - بوجه الحاجة إلى الإذخر؛ لعله - عليه الصلاة والسلام - يستثنيه من ذلك العموم على وجه الرخصة، ويسمى مثل هذا التذكير بالتلقين، وتلقين المخاطب الأدنى يأتي لعرضه على المتكلم الأعلى رغبته، أو حاجةَ قومه إلى إعطاء شيء حكم المعطوف عليه إن كان التلقين بالعطف، أو إلى استثناء شيء من حكم المستثنى منه إن كان التلقين بالاستثناء، وقد قرر الأصوليون أن التلقين ورد بالواو وغيرها من الحروف، وبالاستثناء، وساقوا هذا الحديث شاهداً على التلقين بالاستثناء.

فتلقين ابن عباس له - عليه الصلاة والسلام - بطريق الاستثناء إنما هو تذكير بوجه الحاجة، راجياً أن تكون هذه الحاجة مقتضية للرخصة، وعرضُ الصحابة أمثالَ هذه الحاجات على النبي - صلى الله عليه وسلم - مبني على أصل عرفوه في أصول