الشريعة، وهو "المشقة تجلب التيسير"، فهم يرجون أن تكون الواقعة ذات الحاجة التي عرضوها على وجه التلقين مما يصح أن تندرج تحت هذا الأصل.
ولا يصح أن يعد عرض الحاجات على الشارع رجاء التخفيف اجتهاداً في تقرير حكم شرعي، حتى إذا جاء حكم الشارع على وفق الحاجة، قيل: إن الشارع نزل على اجتهاد من عرض الحاجة عليه، وهذا موسى - عليه السلام - أخبره النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة الإسراء بأن الله فرض على الأمة خمسين صلاة، فقال له:"فارجع إلى ربك؛ فإن أمتك لا تطيق ذلك"، وما زال النبي - صلى الله عليه وسلم - يطلب من الله التخفيف إلى أن صارت خمساً.
وقول العباس:"إلا الإذخر؛ فإنه لقينهم وبيوتهم" كقول موسى -عليه السلام -: "فإن أمتك لا تطيق ذلك"، فلنفهم قصة العباس على الوجه الذي فهمنا عليه قصة موسى - عليه السلام -.
وإذا كان العباس قد قال:"إلا الإذخر" على وجه التلقين بالحاجة، ورجاء الرخصة، فإن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد:"إلا الإذخر" تخصيص للعام في قوله: "ولا يختلى خلاه "، وهو محتمل لأن يكون عن وحي خاص، وليس من شرط الوحي أن يأتي بعد أن تمضي على الطلب مدة، ومحتمل لأن يكون عن اجتهاد بعد أن عرض عليه العباس وجه الحاجة إلى الإذخر. وورود الوحي باستثناء بعض أفراد العام عندما يعرض سبب للاستثناء، له نظير، ففي "صحيح البخاري" قال زيد بن ثابت: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أملى عليه:"لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون"، فجاء ابن أم مكتوم وهو يمليها عليَّ، قال: يا رسول الله! والله! لو أستطيع الجهاد معك، لجاهدت، وكان أعمى، فأنزل الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم -: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ}[النساء: ٩٥].