وفي "صحيح البخاري": أنه لما نزل قوله تعالى: {وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ}[الفرقان: ٦٨] الآية، قال مشركو أهل مكة: فقد قتلنا النفس التي حرم الله، ودعونا مع الله إلهًا آخر، وقد أتينا الفواحش، فأنزل الله:{إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ}[الفرقان: ٧٠] الآية.
وأما حديث دعائه للمقصرين، فهو أن الإحلال من الحج يكون بتقصير الشعر، وبالتحليق، ولكن التحليق أفضل، وقد دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - للمحلقين؛ تنبيهًا على أن التحليق أفضل، فقال:"اللهم اغفر للمحفقين"، فقالوا: وللمقصرين، فقال:"اللهم اغفر للمحلقين"، قالوا: وللمقصرين، فقال:"وللمقصرين".
وليس في الحديث سوى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا للمحلقين بالمغفرة أو الرحمة كما ورد في بعض الروايات، فقيل له: وللمقصرين على وجه التذكير بهم؛ ليطلب لهم المغفرة أو الرحمة كما طلب للمحلقين، فأعاد الدعاء للمحلقين مرتين، ثم قال:"وللمقصرين"، وليس في الحديث ما يدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يقتصر في الدعاء على المحلقين، ويترك المقصرين؛ لأنه لم يرهم يستحقون طلب المغفرة حتى اجتهد هؤلاء الذين قالوا له:"وللمقصرين"، فرأوهم يستحقون طلب المغفرة، فنزل على اجتهادهم، فقال:"وللمقصرين"، فقولهم:"وللمقصرين" لا يتجاوز أن يكون تلقينا بطريق حرف العطف يراد به طلب الدعاء لهم، كما أن قول إبراهيم - عليه السلام -: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِي}[البقرة: ١٢٤] بعد قوله تعالى: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا}[البقرة: ١٢٤] البقرة: ١٢٤، لا يتجاوز أن يراد به: دعاء الله بأن يجعل من ذريته أئمة الناس، وكما أنك لا تسمي قوله تعالى:{لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}[البقرة: ١٢٤]، نقضاً لاجتهاد إبراهيم - عليه السلام -, فلا تسمي قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وللمقصرين" نزولاً على اجتهاد أولئك القوم.