ويدلكم على أن الصحابة إذا استعملوا حرف التلقين بعد نطق النبي - صلى الله عليه وسلم - بحكم شرعي، فإنما يريدون طلب الرخصة: أنهم يستعملونه بعد نطقه بوعد، إنما يريدون تذكيره بما حرفه التلقين راجين أن يخبرهم بأن له حظًا من ذلك الوعد.
روى أبو سعيد: أن النساء قلن للنبي- صلى الله عليه وسلم -: اجعل لنا يوماً، فوعظهن، فقال:"أيّما امراة مات لها ثلاثة من الولد إلا كانوا لها حجابًا من النار". قالت امرأة: واثنان، قال:"واثنان"، وليس لأحد أن يدعي أن المرأة اجتهدت، وقررت أن الاثنين من الولد يكونان حجاباً من النار، فنزل النبي - صلى الله عليه وسلم - على اجتهادها، فقال:"واثنان "، وإنما هي المرأة رغبت في أن يكون هذا الوعيد شاملًا لمن مات له والدان، فكان من رحمة الله أن أجاب رغبتها على لسان نبيه، فقال - عليه الصلاة والسلام -: "واثنان".
وأما أحاديث القدور التي طبخت فيها لحوم الحمر الأهلية، فهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في غزوة خيبر:"أكفئوا القدور، واكسروها"، فقالوا: يا رسول الله! أو نغسلها؟ فقال:"أو ذاك"، فكان حكم الشارع في القدور هو الكسر، ولما أشار القوم بقولهم، أو نغسلها، إلى أنهم في حاجة إلى تلك القدور، وهذه الحاجة بلغت أن اقتضت الرخصة في الاكتفاء بغسلها، أجابهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله:"أو ذاك".
فقول القوم:"أو نغسلها" تذكير منهم بالحاجة إلى تلك القدور, رجاء أن يرخص لهم في غسلها بدل كسرها، وعلى فرض أن يكون كل من الحكمين: حكم العزيمة، وحكم الرخصة، صادراً عن اجتهاد، فإن الصيغة التي صدرت من القوم لا تتجاوز أن تكون تذكيراً بوجه الحاجة، وطلباً للرخصة، والنبي - صلى الله عليه وسلم -