للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عهد إلى أحد، فقال له عمر: "والله! لو بويعتَ بالأمر ما نازعتك". وعدم الحرص على الولاية يعين الرجل على السير فيها باستقامة دون أن يخشى سخط شخص أو رهط من الناس، وإن بلغوا منتهى الوجاهة، أو عرفوا من وسائل الكيد ما لم يعرفه أحد من قبل.

* عدم اكتراثه بمديح الشعراء:

لما تولى الخلافة، حضر الشعراء ببابه؛ ظناً منهم أنه من أولئك الذي تأخذهم النشوة إذا مُدحوا، فيعطوا المادحين من بيت مال المسلمين بغير حساب، فمكثوا أشهراً لا يأذن لأحد منهم بالدخول، ثم أذن لجرير، فأنشد بين يديه قصيدته التي يقول فيها:

زرت الخليفة من أرض على قدر ... كما أتى ربه موسى على قدر

إنا لنرجو إذا ما الغيث أخلفنا ... من الخليفة ما نرجو من المطر

فقال له عمر: لا أرى لك في شيء من بيت مال المسلمين حقاً، فقال جرير: لقد فرض الله لي فيه حقاً، قال: ويحك! ما حقك؟ قال: ابن سبيل أتاك من شقة بعيدة، فدعا بعشرين ديناراً فضلت من عطائه، فقال: هذه فضلت من عطائي، ولو فضل أكثر من هذا، لأعطيتك، فخذها، فإن شئت فاحمد، وإن شئت فذم، فخرج جرير وهو يقول:

رأيت رقى الشيطان لا تستفزُّهُ ... وقد كان شيطاني من الجن راقيا

كان - رحمه الله - عامر القلب بالتقوى، واثقاً من أنه سيسير في طريق العدل ما استطاع، ومن كان هذا شأنه، لم يقم للشعراء وأمثالهم وزناً يبلغ به أن يجازيهم عن المديح، أو يتقي هجاءهم بشيء من أموال المسلمين. وكان يرق للشاعر، ويعطيه متى علم أنه في حاجة وبؤس، دخل عليه نُصَيب